المدخل للقانون الإسلامي

 المدخل للقانون الإسلامي

لقانون الاسلامي هو مجموعة الاحكام والقواعد القانونية الملزمة المتعلقة بتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع المسماة بـ الشريعة الاسلامية ويهتم القانون الاسلامي أو الشريعة الاسلامية بتنظيم مجموعة كبيرة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية . ويمكن القول بان القانون الاسلامي او الشريعة الاسلامية هو نظام قانوني واسع في توجهاته ومحيط بدقائق المسائل ومتسع ليوصف بالمرونة وعدم الجمود وذلك لقيامه على قواعد كلية شاملة ولهذا فإنه يحمل جميع سمات النظام القانوني المتكامل ،لقابليته للتجديد والتطوير .
فيقوم القانون الاسلامي على أن الأصل في الأشياء والمعاملات ،الإباحة . وليس التحريم والحظر. ولذا نبعت من فقه هذا القانون أصول كثيرة بالغة الشمولية والعمومية والدقة ،وتفرع عن هذه الأصول الفقهية ، ما لا يعدُّ ولايحصى من الفروع والمسائل وما يمكن تسميته بالتطبيقات والحلول العملية للمشكلات والقضايا الانسانية ، صغيرها وكبيرها، ولا أدلُّ على ذلك من أن الفقه الاسلامي نفسه هو ليس مجرد نظريات كما هو حال الفقه القانوني المتعارف عليه في مجال القانون، بل إن الفقه الاسلامي وفقا لتعريفه المتفق عليه بين فقهاء وعلماء الشريعة الاسلامية بأنه العلم بالأحكام العملية أي أنه فقه تطبيقي ، ومن ثم فإن القانون الاسلامي هو ثمرة الفقه الاسلامي. فبحر الشريعة الاسلامية عندما جرى ، استقرت سفن الفقه بأشرعتها السامقة على شواطيء هذا البحر، وأفاضت بخيرها على الحاضر والبادّ.
ومن أهم القواعد الفقهية التي يعرفها القانون الاسلامي:
-
قاعدة الأمور بمقاصدها
-
قاعدة اليقين لا يزول بالشك.
-
قاعدة لا ضرر ولا ضرار.
-
قاعدة المشقة تجلب التيسير.
-
قاعدة العادة مُحكمة.
تاريخ التشريع الاسلامي
مر التشريع الاسلامي بخمسة أدوار تتمثل في:
الدور الأول : وهو دور النشأة ويتناول الحياة في المجتمع القانوني للعرب وقت بعثة الرسول وهو دورالتشريع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وينتهي بوفاة الرسول في سنة 11 هجرية.
-
الدور الثاني: ويتناول التشريع في عهد الخلفاء الراشدين وكبار التابعين وقد استمر هذا الدور إلى سقوط دولة بني أمية سنة 132 هجرية.
-
الدور الثالث: دور النضج والاكتمال التشريعي وينتهي في منتصف القرن الرابع الهجري.
-
الدور الرابع:دور التقليد وغلق باب الاجتهاد وينتهي في سنة 1286 هجرية (1869 ميلادية).
-
الدور الخامس: دور اليقظة الفقهية الذي بدأ بالحركة الفقهية التي ظهرت في ظلال الدولة العثمانية التي مركزها تركيا سنة 1286 هجرية(1869 ميلادية)وهو وقت ظهور المجلة الشرعية ويستمر إلى الوقت الحاضر.
وفي العصر الراهن يعد القانون الاسلامي مصدرا للتشريع في البلاد الاسلامية وتختلف هذه البلاد في جعله المصدر الرئيسي من عدمه ..هذا وقد قننت أحكام الشريعة الاسلامية في الكثير من الشئون .
وهناك دول تعتبر القانون الاسلامي هو القانون الاساسي يعلو على الدستور نفسه بحيث لا يجوز مخالفة احكام القانون الاسلامي .
دور النشأة (العصر النبوي)
امتاز هذا العصر عن بقية عصور التشريع بخصائص أهمها:-
-
أولاً - إكتمال الشريعة من حيث النصوص والقواعد والأصول بنزول آية «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا» ثم وفاته صلى الله عليه وسلم حيث انقطع الوحي وانتهى التشريع حينذاك ولم يبق بعد ذلك إلا الاجتهاد.
-
ثانيا - أن سلطة التشريع في هذا العصر كانت للرسول وحده أما ما صدر من اجتهادات لبعض الصحابة فى تعتبر تشريعا إلا إذا أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم مستلهما ذلك الوحي بقسميه(القرآن والسنة) وكانت نتيجة ذلك انه لم يقع خلاف في المسألة الواحدة.
-
ثالثا - واقعية التشريع بمعنى أن الناس كانوا يبحثون عن أحكام المسائل التي تقع فقط ولم تكن الحوادث تُفتَرض او تُتَخيل.
-
رابعا - أنه ترتب على واقعية التشريع ان الفقه الاسلامي نشأ متتابعا وليس جملة واحدة بل متدرجا ، حسب الوقائع والنوازل.
-
خامسا- أن الرسول الكريم لم يترك لأصحابه فقهاً مدونا مكتوبا وإنما الذي تركه هو جملة من القواعد الكلية والأصول والأحكام موجودة في القرآن والسنة بعد أن نبه عقولهم إلى علل الأحكام وأسرار التشريع وعلّمهم طريقة الاستنباط على وجه يحقق المصلحة للناس.
عصر الصحابة والتابعين
امتاز التشريع في هذا العصر بالآتي:-
-
أولا - انه كان واقعيا يتبع الحوادث اي لم يكن قائما على الفروض والتخيل.
-
ثانيا - أن المسائل الخلافية كانت قليلة.
-
ثالثا - انه وجدت اجتهادات تبعا للمصلحة غيّرت بعض الأحكام خصوصا في عهد عمر كإسقاط سهم المؤلفة قلوبهم (في الزكاة)>
-
رابعا - أن الصحابة لم يتركوا فقها مدوناًيرجع إليه بل تركوا أحكاماً وفتاوى محفوظة في الصدور.
-
خامسا - أن الصحابة لم يكونوا على درجة واحدة في استعمال الرأي ، فكان منهم من يتحرج في الأخذ به خوفاً الكذب أو الخطأ في دين الله وكان من هذه الطائفة ابن عمر وزيد بن ثابت.
-
سادسا - ظهور المدارس الفقهية وانقسام الجمهور المعتدل إلى فريقين فريق يرى الوقوف عند النصوص وهم أهل الحجاز، والثاني يرى استعمال الرأي وهم أهل العراق.
دور النضج والاكتمال (عصر التدوين)
وقد بدأ هذا الدور بقيام الدولة العباسية وسقوط الدولة الأموية عام 132 هجرية وينتهي في منتصف القرن والرابع الهجري تقريبا حينما ضعفت الدولة العباسية ولم يبق من سلطانها إلا مجرد التسمية فقط.
ويرجع النشاط والنمو والازدهار في هذا الدور إلى العوامل الآتية
1-
عناية الخلفاء العباسيين بالفقه والفقهاء.
2-
حرية الرأي فيما عدا الأمور السياسية.
3-
كثرة الجدل والنقاش العلمي.
4-
كثرة الوقائع.
5-
ظهور الموالي في المجال العلمي.
6-
تأثر العقول بالثقافات المختلفة.
7-
تدوين العلوم وانتشار الترجمة ونقل الكتب من لغاتها إلى اللغة العربية.
هذا وقد امتاز التشريع في هذا الدور بسمات وخصائص انفرد بها عن الأدوار السابقة واللاحقة حيث ازدهر ونضج في فترة وجيزة لم ينضج مثلها تشريع آخر وخصوصا في القرنين الثاني والثالث والرابع ، ونذكر فيما يلي بعضا من هذه السمات:
-1-
بلوغ الفقه حد الكمال والنضج حيث سيطرت مبادئه على كل نواحي الحياة.
-2-
ظهور أعلام الفقهاء الذين تزعموا الاجتهاد وانتشارهم في كل الأقاليم.
-3-
نشاة المذاهب الجماعية، حيث نشا ثلاثة عشر مذهبا فقهيا لأهل السنة وكذا ظهور مذاهب من غير أهل السنة كالزيدية والامامية والاباضية ولقد كانت هذه المذاهب الفقهية في هذا العصر جماعية لأنها لم تكن من عمل إمام المذهب وحده بل كانت ثمرة عمله وعمل المجتهدين من تلامذته.
-4-
اشتداد الخلاف حول مصادر التشريع الاسلامي.
-5-
اتخاذ الحكومات مذاهب خاصة بها. حيث كان فقه أبي حنيفة يسيطر على الحياة التشريعية في الدولة العباسية وكان فقه الامام مالك يسيطر على المغربب وبلاد الأندلس.
-6-
بناء الأحكام على العرف.
-7-
تدوين العلوم المختلفة وعلى رأسها الفقه والسنة وكذلك علم أصول الفقه.
-8-
اتساع الخلاف بين الفقهاء وكثرة المسائل الفقهية المختلف فيها بالنظر إلى كثرة المجتهدين وكثرة الوقائع مع تعذر اجتماع الفقهاء في مكان واحد للتشاور وإبداء الراي وتوحيده.
-9-
ظهور المصطلحات الفقهية المتعددة.
دور توقف الفقه عن نشاطه (دور ابتداء التقليد ثم الجمود والتأخير)
وكانت السمة الغالبة هي توقف الفقه عن نشاطه إذ حلّ بالفقه الاسلامي التدهور والانحدار تدريجيا للأسباب الآتية
-
أولا - وجود ظاهرة الاضطراب السياسي مما أثّر على الحركة العلمية وأضعف شأنها ، مما حال دون اتصال العلماء في الأقطار المختلفة ، والثابت أن الرحلات كان لها الفضل العظيم على تكوين ملكات العلماء وتنمية التشريع.
-
ثانيا - انشغال الولاة والحكام بالسياسة والحروب منصرفين بذلك عن العناية بالعلم والعلماء.
-
ثالثا - ضعف الاستقلال السياسي في الأقطار الاسلامية مما أضعف روح الاستقلال التشريعي.
-
رابعا - موت روح الاستقلال الفكري والتجديد التشريعي لدى العلماء وسرت روح التقليد وموت ملكة التجديد والابتكار، وحصر العلماء أنفسهم في دوائر حول المذاهب لا يتعدونها والتزم كل واحد منهم بمذهب لا يتجاوزه.
وقد تجلّت أسباب التقليد في اربع أمور
1-
تدوين المذاهب
2-
التعصب المذهبي.
3-
ولاية القضاء.
4-
غلق باب الاجتهاد.
وفي هذا الدور لم يكن شغل العلماء إلا جمع الآثار وترجيح الآراء والإفتاء في المسائل التي لم يتعرض لها السابقون، ويمكن حصر عمل الفقهاء في أمور ثلاثةهي:
-1-
تعليل الأحكام.
-2-
الترجيح.
-3-
الانتصار للمذاهب.
هذا وقد اعتاد العلماء المشتغلون بالفقه المذهبي على تقسيم العلماء إلى طبقات ، واختلفت طبقات المذاهب وتقسيماتهم. وبذا سقط الفقه الاسلامي من عليائه حيث اتسمت مؤلفات هذه الفترة بالتعقيد والإلغاز والرموز ، مما أرهق الذهن وأتعب الفكر لأخذ الأحكام منها. وعمت البلوى وانصرف العلماء إلى الكسل والإخلاد إلى الراحة وكثرة المسائل والفروع التي نقلت عن ائمتهم واكتفوا بالنقل والترجيح والتجميع.


البيعة في القانون العام الإسلامي
تعتبر مؤسسة البيعة إحدى المكونات الأساسية في القانون العام المغربي سواء تعلق الآمر بالدولة التقليدية أو بالدولة القائمة في الوقت الحاضر .
فإذا كان من اليسير وضع البيعة في إطار الفكر والفقه الإسلامي واستيعاب الأسس والممارسات المرتبطة بها في بلدان المغرب العربي مقارنة مع دول المشرق ، فإنها عرفت مع ذلك تأثيرات واسعة ناجمة عن تبني بعض طروحات الفكر القانوني الأوروبي .
كما أن مقاربة هذه المؤسسة في سياق منهجي وبالضرورة مزدوج ، من شأنه أن يؤدي إلى نوع من الانحراف لكونها ترتبط بمرجعين مفاهيميين مختلفين،الأول ذو أصول قانونية محلية والثاني أوروبي مما يستدعي المرور،بصفة جلية أوضمنية، بمنظومة للمعادلة المفاهيمية قصد الإحاطة بالمفهوم . [1]
وتزداد الصعوبة أكثر إذا ما أردنا أن نضفي على البيعة مضمونا قانونيا صرفا مادامت هذه المؤسسة خاضعة للاعتبارات السياسية بالدرجة الأولى والتي تجعل منها طريقة ترتبط وبشكل جوهري بمشروعية وممارسة الحكم .
من هنا تبدو أهمية طرح بعض الجوانب القانونية الخاصة بهذه المؤسسة الأصلية في الفقه الإسلامي ( I ) والقانون المغربي الكلاسيكي ( II ) والمكانة التي تحتلها في القانون العام المغربي منذ وضع أول دستور مكتوب سنة 1962 بغية الإحاطة بمدلولها الدستوري الصرف والسياسي من خلال سير دواليب الدولة ، ولكن على الخصوص إبراز الآثار المترتبة عن البيعة بالنسبة لفروع القانون الأخرى ( III ) وأخيرا النظر في الإمكانيات التي يتيحها القانون المقارن للوقوف على ما تمثله البيعة من حيث الأصالة والمحتوى ضمن التجارب العالمية الأخرى ( IV ٍ) .




1-
البيعة في القانون العام الإسلامي
إننا لا نريد هنا القيام بدراسة شمولية لمعنى مؤسسة البيعة في الفكر السياسي الإسلامي [2] بقد رما نسعى إلى الإحاطة أساسا بمدلولها " الدستوري ّ وآثارها على المعايير القانونية المترتبة عن عقد البيعة للحاكم باعتبارها أمانة مطلقة لا رجعة فيها .
لذا فمن الضروري تحديد معنى هذه المؤسسة وإبراز خصائصها التاريخية العامة واقتراح شبكة " للمعادلات " بهدف توضيح المفاهيم وتلافي كل لبس ممكن بهذا الخصوص .
أ/ بعض الإيضاحات المفاهيميمة
هناك مصطلحات في القانون العام الإسلامي منها ماهو متجاوز ومنها مازال معمولا به الى حد الآن ، وهي تلعب دورا أساسيا باعتبارها مرادفات أو لانتمائها لمعاني متقاربة لكنها تحمل مع ذلك اختلافات طفيفة فيما بينها .
1-
خـــــلافــة : من فعل " خلف " أو " أخلف " واستخلف " لذلك فإنها تحيلنا على أعلى سلطة تمثل خلافة الله في الأرض .
فالإنسان خلقه الله ليكون خليفة له في الأرض ( وفق ما جاء في القرآن والكتب المنزلة ) .
وقد قام بهذه المهمة محمد باعتباره آخرالأنبياء كما قام بها أنبياء آخرون من قبله .
أطلق على خلفاء الرسول ( الخلفاء الراشدون )
وهكذا فقد استندت " الخلافة " إلى أسس دينية الغرض منها السهرعلى توجيه وإرشاد الأمة الإسلامية ( كما هو الحال في الخلافة الأموية في دمشق والخلافة العباسية في بغداد والخلافة الفاطمية في القاهرة ...).
أما الخلافة الأخيرة التي فرضت الطاعة لها عالميا فهي الخلافة العثمانية في القسطنطينية / اسطنبول والتي انحلت بعد الحرب العالمية الأولى بعدما وضع لها حد نهائي من لدن الجمهورية العلمانية لكمال أتاتورك . والجدير بالإشارة إلى ان المغرب لم يخضع لهذه الخلافة لكون السلاطين المغاربة من أصل شريف يتمتعون بشرعيتهم الدينية الخاصة بهم .
2-
سلطنـــة : وهي مؤسسة سياسية ودينية من سلطة ، لذا فان السلطان يعني الحاكم أما السلطنة فيقصدبها دولة ذات حدود معينة سواء اعترف السلطان بالخلافة أم لا . ويؤسس رباط البيعة مشروعية السلطان إزاء الجماعة التي يحكمها .
3-
الإمــامــة: وهو مصطلح ديني محض، لكونه استخدم أصلا للإشارة إلى "السلطة " المعترف بها لأي شخص مؤهل ( المعرفة الدينية والسلوك السوي ) إٌقـــامة الصلــــوات الجماعية اليومية أو غيرها من الشعائر في المسجد ( الإمامة الصغرى ) .
وقد استمر استخدام المصطلح بالنسبة لمن " يقود" الأمة سياسيا ودينيا وهو ما يطلق عليه بالإمامة العظمى .
وهكذا فان البيعة ومن خلال التعاقد الذي تقيمه تمنح صلاحية ممارسة سلطات الإمامة العظمى للسلطان أو الملك .
4-
ملكية ، مملكة ، مُلك ، ملك
من فعل " ملك " ( بالمعنى الحرفي ) أوامتلك سلطات( بالمعنى المجازي ) .
وهذه المفردة تستخدم كمرادف لسلطان بالمعنى الشمولي ( السلاطين العلويين أو الملوك العلويين ) .
إلا أن الفرق بالنسبة للقانون السياسي المعاصر كبيرلأن استبدال "سلطان " " بملك " في عهد الملك محمد الخامس غداة الاستقلال (1956) استند إلى مبررات أساسية : وهي تتمثل في اعتماد مرجعية " الملكية الدستورية " في حين أن نظام السلطنة يتسم بصبغة " ملكية مطلقة " أو " باختلاط السلطات "
5-
أمير : وهي من فعل أمر بمعنى الذي يأمر .
-
لهذه الكلمة استعمالين في الفقه الكلاسيكي الاسلامي :
المعنى الأصغر ويقصد به " نائب الخليفة " على اعتبار أن الخليفة يحكم مجموع الأمة ، بينما الأمير لا يحكم سوى منطقة محددة بمعنى أن الأمير " هنا يأخذ صفة الحاكم المحلي .
المعنى الأكبر : عندما تضاف لأمير كلمة المؤمنين أي أمير المؤمنين الذي يكتسب شرعيته بمقتضى مسطرة البيعة التي تضمن له طاعة الجميع .
-
أما في القانون المعاصر والقانون العام الوضعي ، فان لهذا المصطلح معنيان ( في المغرب حاليا ) :
أمير : بمعنى " الأمير " أي صاحب السمو ( وهي تستخدم للذكر مثلما هو الحال بالنسبة للأنثى ( أمير ، أميرة ) وهو لقب يعني الانتماء للعائلة الملكية مع كل ما يستتبع ذلك من حقوق وواجبات دستورية (اللائحة الملكية ، التشريفات والبروتوكول ...)
أمير المؤمنين : بمقتضى الفصل 19 من الدستور حيث تشكل البيعة أحد المكونات الأساسية لإمارة المؤمنين ( انظر الماوردي )
3-
الأبعاد القانونية الصرفة
إن دراسة البعد القانوني لبيعة يقتضي الانطلاق من الطرح النظري المستفيض للماوردي .
تستند نظرية الماوردي إلى كون التفويض الذي يتلقاه الإمام بمقتضى البيعة لا يحق تكليف الآخرين به ( الوزراء ) دون أن يؤدي ذلك إلى حل رباط البيعة بالرغم من إمكانات المراقبة التي يمكن أن يمارسها الحاكم ( الخليفة أو السلطان ) على من يفوضهم للنيابة عنه .
إن الصفة التي يتناول بها الماوردي سلطة الحكم ( الوزاري ) وتمييزه لها عن السلطة العليا مفيدة لكونها تكشف عن اختلاف تراتبي ضمني مابين سلطة ذات طابع معياري وسلطة "حكومية" تابعة أو تأتي في مرتبة أسفل بالنسبة للتنفيذ ، وذلك لتجنب تفويت التفويض الشخصي " الانتقائي ّ القائم على أساس البيعة .
إن السبل التي تتيحها قراءة متأنية لنظرية الماوردي تتمثل في إمكانية القيام بمقارنة المصطلحات الواردة لديه ، عندما يتحدث عن الطابع الشخصي الصرف الذي تتيحه البيعة للسلطنة ، بما هو موجود في الفلسفة الغربية ، علما ان غنى هذه المقارنة يكمن في كون المفكرين الغربيين الذين يتم الرجوع لهم تناولوا موضوع البيعة بمعنى السيادة في أنظمة ملكية بدأت تشهد ميلاد الدولة الوطنية .
هل تعني البيعة" التعاقد الاجتماعي"بالمعنى الذي ورد به لدى كل من هو بس أوروسو؟
إن الإطار المعياري محكوم بالتصور الفلسفي للحكم مهما تعلق الأمر بالفكر الإسلامي الخاضع لتأثير المسلمات الدينية .
من المسلم به أن من الصعب نقل مفاهيم الفلسفة والقانون الغربيين بكيفية مطلقة إلى تلك المستخدمة في الفكر الإسلامي ، إلا أن قراءة معمقة تسمح لنا باستجلاء بعض التشابه في المقولات الواردة لدى المؤلفين انطلاقا من معايير دينية ومدنية .
إلا أن أي محاولة لمقارنة نظامي الفكر الفلسفي والقانوني لا يمكن أن تتم إلا انطلاقا من مقابلة تقريبية للمفاهيم .
فماهي إذن نقاط الالتقاء الموجودة مابين " العقد الاجتماعي " لدى هو بس أوروسو و" عقد الإمامة " لدى الماوردي في سياق استجلاء معنى مؤسسة البيعة ؟ ونحن إذا ما اخترنا هذا الفقيه فلكونه يعتبر المفكر السني الذي وضع إطارا مفاهيميا بل نظريا بعيد نوعا ما عن الممارسات المحكومة باعتبارات ترمي لخدمة هذه السلالة الحاكمة أو تلك . وبعبارات ماكس فبر، فان الإطار المفاهيمي للماوردي ، يشكل " النمط الأمثل " مما يقربه من المنهج الذي اتبعه المفكرون الغربيون اللاحقون بالنسبة للفترة التي عاش فيها .
وكمحاولة في هذا الاتجاه يعرض الجدول الموالي بعض العناصر المرجعية الأساسية التي يجد من خلالها نص الماوردي مدلوله الشامل ،كما يكشف عن الإفادة الهامة التي يمكن الخروج بها انطلاقا من هذه المقارنة :
1-
جدول اجمالي لمقترح " العقد الاجتماعي "
العـقد :" العقد عبارة عن اتفاق بين شخص أو مجموعة من الأشخاص يلتزمون تجاه شخص أو أغتنم بمنح أو القيام أو عدم القيام بشيء ما ."
اجتماعي : وهو يعني تنظيم مجتمع سياسي .فالعقد الاجتماعي عبارة عن تعاقد ثنائي ( يلتزم فيه المتعاقدون الواحد أو أكثر إزاء الآخر بصفة متبادلة ) يتم من خلاله تنظيم الأفراد في مجتمع سياسي .
الحالات دولة التنين(السلطة المطلقة) اتحاد(انعدام تعاقد) دولة الحق والقانون عقدالأمامة(الدينية والسياسية)
المؤلف هوبس لوك روسو الماوردي
المبرر الخوف من الموت انعدام سلطة مشتركة في الدولة الطبيعية الخوف من فقدان الحرية تلافي الفوضى
مايتم منحه كل حقوقه الطبيعية وحريته لاشيء :نوكلللحكومة مهمة معينة الحرية الطبيعية غير المحدودة نظرياو المنعدمة عمليا لدى كل منهوبس وروسو معا
مايتم أخذه الراحة أو الأمن خدمة الصالح العام وحماية الجميع الحرية التي يضمنها القانون : المحدودة نظريا ولكنها فعلية الأمن
العواقب البقاء مع التخليحرية انعدام أي تعاقدمستلب : حكومةديمقراطية مختلطة ( العموم ، اللوردات ، الملك عليهم جميعا الاتفاق فيما بينهم اختفاء السادة لكون الجميع خاضعللقانون .- المساواة : القانونللجميع- الحرية : القانونللجميع البيعة : عقد ملزم للطرفين بينالإمام والأمة ومن حق الإمام ان يشرع القوانين ( العلماء ) تحت المراقبة( هوبس )
الأضرار مافائدة الأمن دونحرية ؟ ماهو المهم فعلا ؟ تتحول الإرادة العامة في الدول الكبرى الى ارادة الأغلبية كيف يمكن ملاءمتها مع القانون : فالملكية الدستورية هي التي تحدد كيفية تنفيذه و" تفويضه "
2-
مقتطفات أساسية
هوبس
"
فعندما يقوم أولئك الذين يحكمونهم ( أي المواطنين ) بفرض أعباء ثقيلة عليهم، فان ذلك ليس رغبة في المتعة أو سعيا للحصول على استفادة ما... وإنما يعود ذلك إلى الطابع الجموح للمحكومين أنفسهم ومساهمتهم كرها في ابتزازهم قدر الإمكان في زمن السلم رغبة في امتلاك وسائل لمقاومة الأعداء أو الانتصار عليهم في حالة مواجهة طارئة أو مفاجئة " ( التنين ) .
لــــــوك
"
إن سلطة استبدادية ومطلقة وحكومة تفتقد لقوانين قائمة ومستقرة لن تتطابق وأهداف المجتمع والحكومة . وفعلا، فالبشر عندما يتركون حرية الوضع الطبيعي قصد الخضوع لحكومة لن تتوفر لهعم معها حرياتهم وراحتهم وممتلكاتهم أشياء فجائية " ( عن الحكومة المدنية ) .
روســو
"
لن يكون من الحكمة الاعتقاد بأن الشعوب رمت نفسها في البداية في أحضان حاكم مطلق دون شروط أو مقابل ، وأن أول وسيلة لضمان الأمن الجماعي الذي تصوره أناس يعتزون بأنفسهم ، ولا قبيل لإخضاعهم ، تمثلت في الاندفاع إلى العبودية . فمن الأكيد إذن ، وهي المسألة الجوهرية لكل قانون سياسي ، أن الشعوب اختارت لها حكاما للدفاع عن حريتهم وليس لاستعبادهم . فإذا ما كان لدينا أميرا يقول بلين Pline لتراخان Trajan فذلك من اجل حمايتنا لكي لا يكون علينا سيد " ( العقد الاجتماعي )
الماوردي
"
فقالت طائفة ( الإمامة ) وجبت بالعقل لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ، ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم ، ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين ،وهمجا مضاعين ... وقالت طائفة أخرى بل وجبت بالشرع دون العقل،لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوزا في العقل أن لا يرد التعبد بها ، فلم يكن العقل موجبا لها ، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم والتقاطع ، ويأخذ بمقتضى العدل في التناصف والتواصل ، فيتدبر بعقله لا بعقل غيره ، ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين " ( استشهاد من القرآن )
3-
تـعـلــيـق
إن الوسيلة التي تسمح بالانتقال لدى هُوبز من الحالة الطبيعية إلى المجتمع المدني هي نوع من التعاقد يطلق عليه التعاقد الاجتماعي الذي يقبل فيه كل طرف إزاء الطرف الآخر بالتنازل عن حكم نفسه بنفسه ليضع كل سلطته في يد رجل واحد يصبح مالكا بذلك للسيادة .
إلا أن الحاكم في هذه الحالة لن يحافظ على الأهم ، ألا وهو الحفاظ على نفسه بمعنى المحافظة على النظام .
فإذا ما تبين بأن الحاكم عاجز عن المحافظة على النظام ، فان من حق المحكومين أن ينقلوا خضوعهم إلى حاكم آخر : ( التنين ، الجزء، الثاني ، الفصل 21 ) .
"
من المعلوم أن خضوع الرعايا للحاكم يدوم مادام ولكن ليس أكثر من دوام السلطة التي تؤهله لحمايتهم "
فالحاكم حسب هوبز هو المشرع الذي يصدق على القواعد القانونية الإلزامية.
فنحن نجد لدى الماوردي في حقيقة الأمر وجهي السيادة اللذين جاء بهما كل من التنين عند هوبز وروسو والتي تتأسس على القانون المنبثق من " الإرادة العامة ". يجب أن لا يغفل عن ذهننا بأن الأب سييس Siyès فيما بعد، هو الذي " سيحرف " الإطار الذي جاء به روسو بلجوئه إلى " الأغلبية " هذا المفهوم الذي كان يعني به روسو الجماعة الصغيرة " للديمقراطية المباشرة " ( سويسرا ) كما هو وارد بالنسبة لكل بيعة هنا في المغرب والتي تمارس وفق دوائر متراكزة من جماعة إلى أخرى ، ومن حنطة إلى أخرى قبل أن تنتهي عند " أهل الحل والعقد ". وفي هذا الإطار فإن من المفيد الرجوع إلى مخطوطات عقود البيعة التي حررها العدول في المدن والبوادي بالمغرب خلال فترة ما قبل الاستعمار.
فهناك إذن تشابه أكثر ما بين العقد لدى هوبز وعقد الإمامة لدى الماوردي شريطة الأخذ بعين الاعتبار لجوهر المشكلة والمتعلق بالدور العادل والمنصف للقانون المدني الانجليزي والفقه بالنسبة للإمامة. إلا أن هذا الموقف يقترب كثيرا من روسو على اعتبار أن الإمامة تحرر ولا تخضع لها أحدا .
يتبين من خلال هذا التوضيح بأن الخليفة / السلطان لا يتمتع بسلطات غيره محدودة كما يفترض انطلاقا من "بيعة غير مشروطية ولا رجعة فيها " لأن عليها أن تضمن المحافظة على المصالح العامة للجماعة : فعند قبوله تولية الحكم فان ذلك يعني بالنسبة له التزاما حاول الفقهاء المسلمون تحديده باعتباره أهدافا سامية للسلطات التنفيذية بالمعنى الشمولي للكلمة .
فالماوردي في محاولة أولية ومن منطلق إجرائي يضع الفصول الأولى " لدستور " يصنفه الى 10 عناوين [3] ويكفي مقارنتها بالطروحات الكبرى لإحدى الدساتير المعاصرة المكتوبة ( المبادئ الأساسية للديباجة ، حقوق وواجبات المجتمع ، القانون والحرية ، توزيع السلط ، التعاون الخ ...) للوقوف على مدى التقدم الذي تتسم به نظرية الماوردي .
ويجب أن نستحضر أيضا في هذا الصدد بأن الانتقال من الاجتماعي أى الرعايا ثم إلى المواطن كان بطيئا وعنيفا في أوروبا .


ثالث عشر: مجلس الأمّـة (الشورى والمحاسبة)
هو مجلس يتكوّن من أشخاص يمثلون المسلمين في الرأي، ليرجع إليهم الخليفة لاستشارتهم في الأمور، وهم ينوبون عن الأُمة في محاسبة الحكام، وذلك أخذاً من استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، لرجال من المهاجرين والأنصار يمثلون قومهم، ومن تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم، رجالاً من صحابته للشورى، كان يرجع إليهم أكثر من غيرهم في أخذ الرأي، منهم: أبو بكر، وعمر، وحمزة، وعلي، وسلمان الفارسي، وحذيفة
وأخذاً من تخصيص أبي بكر رضي الله عنه رجالاً من المهاجرين والأنصار يرجع إليهم لأخذ رأيهم إذا نزل به أمر. وكان أهل الشورى في عهد أبي بكر رضي الله عنه هم العلماء وأصحاب الفتوى. أخرج ابن سعد عن القاسم: «أن أبا بكر الصديق كان إذا نزل به أمر يريد مشاورة أهل الرأي وأهل الفقه فيه، دعا رجالاً من المهاجرين والأنصار، دعا عمر، وعثمان، وعلياً، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت»، وكل هؤلاء كان يفتي في خلافة أبي بكر، وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤلاء، فمضى أبو بكر على ذلك، ثم وليَ عمر فكان يدعو هؤلاء النفر. كذلك وردت أدلة تدعو المسلمين لمحاسبة الحاكم، وقد مارس المسلمون ذلك كما حدث في عهد الخلفاء الراشدين. وكما للأمة أن تنيب في الشورى فلها أن تنيب في المحاسبة. كل ذلك يدلّ على إباحة أن يُتخذ مجلس خاص ينوب عن الأُمة في محاسبة الحكام، وفي الشورى الثابتة بنص القرآن والسنة. وأطلق عليه: مجلس الأُمة لأنه نائب عن الأُمة في المحاسبة والشورى.
ويجوز أن يكون في هذا المجلس أعضاء من غير المسلمين من الرعايا؛ من أجل الشكوى من ظلم الحكام لهم، أو من إساءة تطبيق الإسلام عليهم، أو عدم توفير الخدمات لهم ونحو ذلك.

أولاً: الخـليـفـة
الخليفة هو الذي ينوب عن الأُمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع. ذلك أن الإسلام قد جعل الحكم والسلطان للأُمة، تُنيب فيه من يقوم به نيابة عنها. وقد أوجب الله عليها تنفيذ أحكام الشرع جميعها.
وبما أن الخليفة إنما ينصبه المسلمون؛ لذلك كان واقعه أنه نائب عن الأُمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع؛ لذلك فإنه لا يكون خليفة إلا إذا بايعته الأُمة، فبيعتها له بالخـلافة جعلته نائباً عنها، وانعقاد الخـلافة له بهذه البيعة أعطاه السلطان، وأوجب على الأُمة طاعته.
ولا يكون مَنْ يلي أمر المسلمين خليفة إلا إذا بايعه أهل الحل والعقد في الأُمة بيعة انعقاد شرعية، بالرضى والاختيار، وكان جامعاً لشروط انعقاد الخـلافة، وأن يبادر بعد انعقاد الخـلافة له بتطبيق أحكام الشرع

ثانياً: المعاونون (وزراء التفويض)
المعاونون هم الوزراء الذين يُعيّنهم الخليفة معه، ليعاونوه في تحمّل أعباء الخـلافة، والقيام بمسؤولياتها. فكثرة أعباء الخـلافة، وبخاصة كلما كبرت وتوسعت دولة الخـلافة، ينوء الخليفة بحملها وحده، فيحتاج إلى مَن يعاونه في حملها، والقيام بمسؤولياتها.
ولا يصح تسميتهم (وزراء) دون تقييد، حتى لا يلتبس مدلول الوزير في الإسلام مع مدلول الوزير في الأنظمة الوضعية الحالية على الأساس الديمقراطي الرأسمالي العلماني، أو غيره من الأنظمة التي نشهدها في العصر الحاضر.
ووزير التفويض، أو معاون التفويض، هو الوزير الذي يعينه الخليفة ليتحمل معه مسؤولية الحكم والسلطان، فيفوض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضاءها حسب اجتهاده وفق أحكام الشرع، فيقلده الخليفة عموم النظر والنيابة.
أخرج الحاكم والترمذي عن أبي سعيد الخُدْري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وزيراي من السماء جبريل وميكائيل، ومن الأرض أبو بكر وعمر»، وكلمة الوزير في الحديث تعني الـمُـعين والمساعد، الذي هو المعنى اللغوي، وقد استعمل القرآن الكريم كلمـة (وزيـر) بهـذا المعنى اللغوي، قال تعالى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي }[029:020]، أي مُعيناً ومساعداً. وكلمة (وزير) في الحديث مطلقة تشمل أي معونة، وأية مساعدة، في أي أمر من الأمور، ومنها إعانة الخليفة في مسؤولية الخـلافة وأعمالها. وحديث أبي سعيد ليس مختصاً بالمعاونة في الحكم؛ لأن جبريل وميكائيل وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء، لا علاقة لهما بمعاونته في مسؤولية الحكم وأعماله؛ لهذا فإن كلمة: «وزيراي» في الحديث لا تدل إلا على المعنى اللغوي الذي هو مُعينان لي. ويفهم من الحديث جواز تعدد المعاونين.
ومع أن أبا بكر وعمر لم يظهر عليهما القيام بأعباء الحكم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلا أن جعلهما وزيرين له، يجعل لهما صلاحية معاونته في كل شيء دون تحديد، بما فيه شؤون الحكم وأعماله. وقد استوزر أبو بكر بعد أن تولى الخـلافة عمر بن الخـطاب معـاوناً له، وكانت معـاونته له ظاهرة.
وبعد أن تولى الخـلافة عمر، كان عثمان وعلي معاونين له، إلا أنه لم يكن يظهر أن أياً منهما كان يقوم بأعمال المعاونة لعمر في شؤون الحكم، وكان وضـعهما أشـبه بوضـع أبي بكر وعمر مع الرسـول صلى الله عليه وسلم . وفي أيام عثمان كان علي ومروان بـن الحكـم معـاونين لـه، إلا أن علـيـاً كان مبـتـعـداً لعدم رضاه عن بعض الأعمال، لكن مروان بن الحكم كان ظاهراً قيامه بمعاونة عثمان في أعمال الحكم.
وإذا كان معاون التفويض وزير صدق فإنه يكون ذا نفع كبير للخليفة، حيث يذكِّره بكل خير ويعينه عليه. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق، إن نسي ذكَّره، وإن ذكر أعانه. وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لَم يذكِّره، وإن ذكر لَم يعنه» رواه أحمد. وقال النووي إسناده جيد. ورواه البزار بإسناد قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
ومن دراسة عمل المعاون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، نجد أن المعاون يمكن أن يكلف في مسائل معينة، يكون له عموم النظر فيها، أو في كل المسائل بعموم النظر فيها. وكذلك يمكن أن يعيَّن في مكان يكون له عموم النظر فيه، أو في عدة أمكنة بعموم النظر فيها. أخرج الشيخان من طريق أبي هريرة قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة». وأخرج ابن خزيمة وابن حبان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرة الجِعرانة، بعث أبا بكر على الحج». أي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانا يكلفان بعموم النظر في أعمال معينة وليس في كل الأعمال على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم من أنهما معاونان (وزيران) مقلَّدان عموم النظر والنيابة كما تقتضيه وزارة التفويض. وكذلك كان علي وعثمان في عهد عمر. وحتى إنه في عهد أبي بكر حيث معاونة عمر لأبي بكر كانت ظاهرةً في عموم النظر والنيابة، لدرجة أن قال بعض الصحابة لأبي بكر لا ندري أعمر الخليفة أم أنت، ومع ذلك فقد ولّى أبو بكر عمرَ القضاء في بعض الفترات، كما أخرج البيهقي ذلك بسند قواه الحافظ.
وعليه فإنه يستفاد من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، أن المعاون يقلَّد عموم النظر والنيابة، ولكن يجوز أن يخصَّص المعاون بمكان أو عمل، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وكما فعل أبو بكر مع عمر، كأن يولي معاوناً لمتابعة الولايات الشمالية وآخر لمتابعة الولايات الجنوبية، ويجوز أن يضع الأول موضع الثاني، والثاني موضع الأول، ويصرف هذا إلى العمل الفلاني وذاك إلى عمل آخر على الوجه الذي تقتضيه معاونة الخليفة، ولا يحتاج إلى تقليد جديد بل يصح هنا نقله من عمل لآخر؛ لأنه مقلَّد أصلاً عمومَ النظر والنيابة، فكل هذه الأعمال ضمن تقليده معاوناً. وفي هذه يختلف المعاون عن الوالي، فالوالي مقلَّد عموم النظر في مكان فلا يُنقل إلى غيره، بل يحتاج إلى تقليد جديد؛ لأن المكان الجديد ليس داخلاً في التقليد الأول. لكن المعاون مقلَّدٌ عموم النظر والنيابة فيجوز نقله من مكان إلى مكان دون حاجة إلى تقليد جديد، حيث هو مقلَّد أصلاً عمومَ النظر والنيابة في جميع الأعمال.
مما سبق يتبين أن الخليفة يقلد معاونه النيابة عنه في كل أرجاء الدولة مع عموم النظر في كل الأعمال، ومع ذلك فله أن يكلفه بعمل معين: مثلاً هذا لولايات المشرق، وذلك لولايات المغرب وهكذا. وتظهر ضرورة ذلك في حالة كون الوزراء أكثر من واحد حتى لا تتعارض أعمالهم.
وحيث إن حاجة الخليفة، وبخاصة مع اتساع الدولة، ستكون لأكثر من وزير، وجعل عمل كل منهم في كل أرجاء الدولة سيوجِد مشاكل في قيام الوزراء بعملهم؛ لاحتمال التداخل ما دام لكل منهم (عموم النظر والنيابة)، لذلك فنحن نتبنى:
من حيث التقليد: يقلَّد المعاون عموم النظر والنيابة في كل أرجاء الدولة.
ومن حيث العمل: يكلف المعاون بعمل في جزء من الدولة أي أن الولايات تقسم بين المعاونين فيكون هذا معاون الخليفة في المشرق، وذلك معاون الخليفة في المغرب، وآخر معاوناً له في ولاية الشمال وهكذا.
ومن حيث النقل: يُنقل المعاون من مكان إلى آخر، ومن عمل إلى آخر، دون الحاجة إلى تقليد جديد، بل بتقليده الأول؛ لأن أصل تقليده معاوناً يشمل كل عمل.


القضـاء
القضاء هو الإخبار بالحكم على سبيل الإلزام، وهو يفصل الخصومات بين الناس، أو يمنعُ ما يضرّ حقّ الجماعة، أو يرفع النـزاع الواقع بين الناس وأي شخص ممن هو في جهاز الحكم، حكاماً أو موظفين، خليفة أو من دونه.
والأصل في القضاء ومشروعيته الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ}[049:005]. وأما السنة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، تولّى القضاء بنفسه وقضى بين الناس.
وقد قَلَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم، القُضاة، فقلَّد عليّاً رضي الله عنه قضاء اليمن، ووصاه تنبيهاً على وجه القضـاء فقـال له: «إذا تقـاضى إليك رجـلان، فلا تقـض للأول حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي» رواه الترمذي وأحمد. وفي رواية لأحمد بلفظ: «إذا جلس إليك الخصمان، فلا تكلَّم حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول». وكذلك عيّن عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل قاضياً على الـجَنَد. وكلٌّ منها دليل مشروعية القضاء.
إن تعريف القضاء يشمل القضاء بين الناس كما سبق. ويشمل الحِسْبَة وهي: (الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يضر حق الجماعة)، كالذي ورد في حديث صُبْرة الطعام. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مَرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعُه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، فقال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غَشَّ فليس مني».
ويشمل كذلك النظر في قضايا المظالم؛ لأنها من القضاء، إذ هي شكوى على الحاكم، وهي أي المظالم: (الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يقع بين الناس وبين الخليفة أو أحد معاونيه أو وُلاته أو موظفيه، وفيما يقع بين المسلمين من اختلاف في معنى نَصّ من نصوص الشرع الذي يُراد القضاء بحسبها والحكم بموجبها). والمظالم وردت في حديث الرسول في التسعير إذ قال: «… وإني لأرجو أن ألقى الله، ولا يطلبني أحد بمَظْلِمَة ظلمتها إياه في دم ولا مال» رواه أحمد من طريق أنس، ما يدل على أنه يُرفع أمْرُ الحاكم أو الوالي أو الموظف إلى قاضي المظالم فيما يدعيه أحد مَظْلِمَة، وقاضي المظالم يُخبِر بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام. وعليه يكون التعريف شاملاً للأنواعِ الثلاثة من القضاء الواردة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وفعله، وهي فَصلُ الخصومات بين الناس، ومنعُ ما يَضرُّ حقَّ الجماعة، ورَفعُ النـزاع الواقع بين الرعية والحُكام، أو بين الرعية والموظفين في أعمالهم.

الجهاز الإداري (مصالح الناس)
إدارة شؤون الدولة ومصالح الناس تتولاها مصالح ودوائر وإدارات، تقوم على النهوض بشؤون الدولة، وقضاء مصالح الناس. ويُعيَّن لكل مصلحة مدير عام، ولكل دائرة وكل إدارة مدير يتولى إدارتها، ويكون مسؤولاً عنها مباشرة، ويكون هؤلاء المديرون مسؤولين أمام مَن يتولّى الإدارة العُليا لمصالحهم أو دوائرهم أو إداراتهم، مِن حيث عملهم، ومسؤولين أمام الوالي والعامل من حيث التقيد بالأحكام والأنظمة العامة.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدير المصالح ويعين كتاباً لإدارتها، فكان عليه الصلاة والسلام يدير مصالح الناس في المدينة، يرعى شؤونهم، ويحل مشاكلهم، وينظم علاقاتهم، ويؤمن حاجاتهم، ويوجههم فيها لما يصلح أمرهم. وكل هذه من الشؤون الإدارية التي تيسر عيشهم دون مشاكل أو تعقيد:
ففي أمور التعليم، جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فداء الأسرى من الكفار تعليم عشرة من أبناء المسلمين، وبدل الفداء هو من الغنائم، وهي ملك للمسلمين؛ فكان تأمين التعليم مصلحة من مصالح المسلمين.
وفي التطبيب، أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، طبيب فجعله للمسلمين، فكون رسول الله صلى الله عليه وسلمجاءته هدية فلم يتصرف بها، ولم يأخذها، بل جعلها للمسلمين، دليل على أن التطبيب مصلحة من مصالح المسلمين.
عوداً بيده ثم قال: اذهبْ واحتطبْ وبعْ، فلا أرينك خمسة عشر يوماً، ففعل، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم...» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه البخاري: «لأن يأخذ أحدكم أحبلة، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره، فيبيعها، وفي شؤون العمل، فيكف بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه». فقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلاً أن يشتري حبلاً ثم فأساً، ويحتطب ويبيع للناس بدل أن يسألهم، هذا يعطيه وهذا يرده، فكان حل مشاكل العمل كذلك مصلحة للمسلمين. أخرج أحمد والترمذي وحسنه «أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلىقال: ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيده فقال: من يشتري هذين؟… قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، فأعطاهما للأنصاري وقال: اشترِ بأحدهما فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدوماً فائتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي شؤون الطرق، فقد نظم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الطرق في وقته بأن جعل الطريق سبعة أذرع عند التنازع. روى البخاري من طريق أبي هريرة «قضى النبي صلى الله عليه وسلم، إذا تشاجروا في الطريق الميتاء بسبعة أذرع»، ورواية مسلم «إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع» وهو تنظيم إداري في ذلك الوقت، وإذا كانت الحاجة لأكثر كان، كما في مذهب الشافعي.
وكذلك منع الرسول صلى الله عليه وسلم، العدوان على الطريق، أخرج الطبراني في الصغير «من أخذ من طريق المسلمين شبراً طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين».
وفي الزراعة، فقد اختلف الزبير رضي الله عنه ورجل من الأنصار في السقي من سيل ماء يمر من أرضهما، فقال صلى الله عليه وسلم، : «اسقِ يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» متفق عليه واللفظ لمسلم.
وهكذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يدير مصالح المسلمين ويحل مشاكلهم الإدارية بسهولة ويسر، وكان يستعين ببعض الصحابة في ذلك. فتكون مصالح الناس جهازاً يتولاه الخليفة أو يعين له مديراً كفؤاً يتولاه، وهذا ما نتبناه، تخفيفاً للعبء عن الخليفة، وبخاصة وقد تشعبت المصالح وتكاثرت، فيكون هناك جهاز لمصالح الناس يتولاه على وجهه مدير كفؤ بأساليب ووسائل تيسر على الرعية عيشها، ويوفر لها الخدمات اللازمة دونما تعقيد بل بسهولة ويسر.
وهذا الجهاز يتكوّن مِن مصالح، ودوائر، وإدارات. والمصلحة هي الإدارة العليا لأية مصلحة مِن مصالح الدولة، كالتابعية، والمواصلات، وسك النقود، والتعليم، والصحة، والزراعة، والعمل، والطرق، وغيرها. وهذه المصلحة تتوَلّى إدارة المصلحة ذاتها، وما يتبعها مِن دوائر وإدارات. والدائرة هي التي تتوَلّى شؤون الدائرة نفسها، وما يتبعها من إدارات. والإدارة هي التي تتوَلّى شؤون الإدارة ذاتها، وما يتبعها من فروع وأقسام.
وهذه المصالح والدوائر والإدارات إنما تُنشَأ وتُقام لأجل النهوض بشؤون الدولة، ولأجل قضاء مصالح الناس.
ولضمان سير هذه المصالح والدوائر والإدارات لا بُدَّ مِن تعيين مسؤولين لها. فيُعيَّن لكل مصلحة مدير عام يتوَلّى إدارة شؤون المصلحة مباشرة، ويشرف على جميع الدوائر والإدارات التابعة لها. ويُعيّن لكل دائرة، ولكل إدارة، مدير يكون مسؤولاً عنها مباشرة، وعمّا يتبعها مِن فروع وأقسام.



بيت المال
بيت المال علم مركب تركيباً إضافياً. يطلق ويراد به المكان الذي تحفظ فيه واردات الدولة ريثما يتم إنفاقها، ويطلق ويراد به الجهة التي تختص بقبض وإنفاق ما يستحقه المسلمون من مال.
وحيث إننا نتبنى -كما بينا سابقاً- أن يولَّى الوالي ولايةً خاصةً دون الجيش والقضاء والمال؛ فعليه كان للجيش كله دائرة مركزية (أمير الجهاد)، وللقضاء كله دائرة مركزية (القضاء)، ويكون كذلك للمال كله دائرة مركزية (بيت المال)؛ ولذلك فإن (بيت المال) جهاز مستقل عن أي جهاز آخر من أجهزة الدولة، يتبع الخليفة كما يتبعه أي جهاز آخر من أجهزة الدولة.
هذا بالإضافة إلى أن الأدلة متضافرة على أن بيت المال كان تابعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، مباشرةً، أو الخليفة، أو من يولَّى عليه بإذنه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يباشر بنفسه أحياناً خزن المال، وكانت له خزانة. وكان يباشر قبض المال، وتوزيعه، ووضعه مواضعه. وأحياناً كان يولي غيره هذه الأمور. وكذلك كان يفعل خلفاؤه الراشدون من بعده، حيث كانوا يتولون بأنفسهم أمور بيت المال أو ينيبون عنهم غيرهم.
بالمدينة العصر، فسلم ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ذكرت شيئاً من تبر عندنا، فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته». وإما في خزانته كما روى مسلم عن عمر وفيه: «فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ؟ قالت: هو في خزانته في المشربة… فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قرظاً في ناحية الغرفة وإذا أَفيق معلق. قال: فابتدرت عيناي. قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى...». والقَرَظُ: ورق شجر السلم أو ثمر شجر السَّنط فقد كان يعتصَر منه. والأَفِيقُ: الجلد لَم يتم دباغه (القاموس المحيط). رسول الله صلى الله عليه وسلم، يضع المال إما في المسجد، كما روى البخاري عن أنس قال: «أُتي النبي صلى الله عليه وسلم، بمال من البحرين، فقال: انثروه في المسجد...» وإما في حجرة من حجر زوجاته، كما روى البخاري عن عقبة قال: «صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم
وفي عهد الراشدين صار المكان الذي يحفظ فيه المال يسمى بيت المال، ذكر ابن سعد في الطبقات عن سهل بن أبي حثمة وغيره: «أن أبا بكر كان له بيت مال بالسنح ليس يحرسه أحد، فقيل له: ألا تجعل عليه من يحرسه؟ قال: عليه قفل. فكان يعطي ما فيه حتى يفرغ. فلما انتقل إلى المدينة، حوّله فجعله في داره». وروى هناد في الزهد بإسناد جيد عن أنس قال: «جاء رجل إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، احملني فإني أريد الجهاد، فقال عمر لرجل: خذ بيده فأدخله بيت المال يأخذ ما يشاء...». وروى الشافعي في الأم، وصححه ابن حجر عن عبد الله بن وديعة قال: «كان سالم مولى أبي حذيفة مولى لامرأة منا يقال لها سلمى بنت يعار، أعتقته سائبة في الجاهلية، فلما أصيب باليمامة، أتي عمر بن الخطاب بميراثه، فدعا وديعة بن خذام فقال: هذا ميراث مولاكم وأنتم أحق به، فقال: يا أمير المؤمنين قد أغنانا الله عنه، قد أعتقته صاحبتنا سائبة، فلا نريد أن نندى من أمره شيئاً، أو قال نرزأ، فجعله عمر في بيت المال». وروى البيهقي والدارمي، وصححه ابن حزم «أن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي وجد عيبة، فأتى بها عمر بن الخطاب فقال: عرفها سنة، فإن عرفت فذاك، وإلا فهي لك، فلم تعرف. فلقيه بها القابل في الموسم فذكرها له، فقال عمر: هي لك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرنا بذلك. قال: لا حاجة لي فيها، فقبضها عمر فجعلها في بيت المال». وروى الدارمي عن عبد الله بن عمرو قال: «مات مولى على عهد عثمان ليس له وال، فأمر بماله فأدخل بيت المال». وروى ابن عبد البر في الاستذكار عن أنس بن سيرين «أن علياً كان يقسم الأموال حتى يفرغ بيت المال، فيرش له، فيجلس فيه».
هذا بالنسبة للإطلاق الأول أي المكان. أما الإطلاق الثاني أي الجهة، فالذي يدعو إليه هو أن المال أحياناً لا يؤوى في بيت، كالأراضي، وآبار النفط، والغاز، وجبال المعادن، وأموال الصدقات التي تؤخذ من الأغنياء فتصرف للمستحقين دون أن تؤوى بيتاً. وقد كانوا يستعملون «بيت المال» بمعنى الجهة أحياناً، ولا يمكن أن يراد به المكان، وذلك كما روى البيهقي في السنن، وأحمد في المسند، وعبد الرزاق في مصنفه، عن لاحق بن حميد «وبعث ابن مسعود على القضاء وعلى بيت المال» ولا يمكن أن يكون عمر بعثه بواباً على بيت المال، وإنما على الجهة بحيث يقبض وينفق. وبهذا المعنى ما رواه ابن المبارك في الزهد عن الحسن، عندما جاء أمراء البصرة مع أبي موسى الأشعري، وطلبوا من عمر أن يفرض لهم طعاماً، فقال لهم في ختام كلامه: «يا معشر الأمراء قد فرضت لكم من بيت المال شاتين وجريبين» والمقصود الجهة.
والمتصرف بواردات بيت المال ونفقاته هو الخليفة. فقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم،، تبرع عثمان لجيش العسرة في حجره، روى أحمد والترمذي وقال حسن غريب والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي عن عبد الرحمن بن سمرة قال: «جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بألف دينار حين جهز جيش العسرة ففرغها عثمان في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ، قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقلبها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم، قالها مراراً». وكان أحياناً يتولى القسمة بنفسه، ففي حديث أنس عند البخاري «أتي النبي صلى الله عليه وسلم، بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد… فلما قضى الصلاة، جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحداً إلا أعطاه… فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثـَمَّ منها درهم». وكذلك تولى أبو بكر قسمة مال البحرين بنفسه، روى البخاري عن جابر قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، : لو قد جاء مال البحرين، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا أي ثلاثاً. فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء مال البحرين أمر أبو بكر منادياً فنادى: من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، دين أو عِدة فليأتنا، فأتيته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لي كذا وكذا، فحثا لي ثلاثاً...».وفي حديث سفيان الثقفي المار في العيبة التي التقطها وعرفها: «فقبضها عمر فجعلها في بيت المال». وروى الشافعي في الأم قال: «أخبرنا غير واحد من أهل العلم، أنه لما قدم على عمر بن الخطاب بما أصيب بالعراق قال له صاحب بيت المال أنا أدخله بيت المال. قال: لا ورب الكعبة لا يؤوى تحت سقف بيت حتى أقسمه، فأمر به فوضع في المسجد، ووضعت عليه الأنطاع، وحرسه رجال من المهاجرين والأنصار، فلما أصبح غدا معه العباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف، آخذاً بيد أحدهما، أو أحدهما آخذ بيده، فلما رأوه كشفوا الأنطاع عن الأموال. فرأى منظراً لم ير مثله، رأى الذهب فيه والياقوت والزبرجد واللؤلؤ يتلألأ فبكى. فقال له أحدهما: إنه والله ما هو بيوم بكاء، ولكنه يوم شكر وسرور. فقال: إني والله ما ذهبتُ حيث ذهبتَ، ولكنه ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم. ثم أقبل على القبلة، ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجاً، فإني أسمعك تقول{سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ }[182:007] ثم قال: أين سراقة بن جعشم؟ فأتي به أشعر الذراعين دقيقهما، فأعطاه سواري كسرى، فقال: البسهما، ففعل. فقال: قل الله أكبر. قال: الله أكبر. قل: الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابياً من بني مدلج. وجعل يقلب ذلك بعصا فقال: إن الذي أدى هذا لأمين. فقال له رجل: أنا أخبرك، أنت أمين الله، وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله، فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت، ثم فرّقه». وقد مر حديث عبد الله ابن عمرو عند الدارمي «مات مولى على عهد عثمان ليس له وال، فأمر بماله فأدخل بيت المال»، وحديث أنس بن سيرين في الاستذكار «أن علياً كان يقسم الأموال حتى يفرغ بيت المال، فيرش له، فيجلس فيه».
وأحياناً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يولي أحد أصحابه القسمة، أو يستعمله على بعض شؤون المال، ففي حديث عقبة عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم، قال: «ذكرت شيئاً من تبر عندنا، فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته». وفي حديث ابن شهاب عند ابن شبة بإسناد حسنه الحافظ بن حجر العسقلاني والمنذري والهيثمي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل خزانة بلال التي يضع فيها الصدقات، فوجد فيها صبرة من تمر، فقال: ما هذا التمر يا بلال؟ قال: يا رسول الله، أخذتها لنوائبك. قال: أفأمنت أن تصبح ولها في جهنم بخار؟ أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً أو إقتاراً» وفي هذا الحديث أيضاً: «إن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يلي صدقات الإبل والغنم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بلال رضي الله عنه يلي صدقات الثمار، وكان محمية بن جزء يلي الخمس». وقال خليفة: «وعلى نفقاته بلال». وروى ابن حبان في الصحيح عن عبد الله بن لحي الهوزني قال: «لقيت بلالاً مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا بلال، كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم،؟ قال: ما كان له من شيء، وكنت أنا الذي ألي ذلك منذ بعثه الله حتى توفي صلى الله عليه وسلم، ، فكان إذا أتاه الإنسان المسلم فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة أو النمرة فأكسوه وأطعمه...». وروى مسلم عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكراً فجاءته إبل من إبل الصدقة، قال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلمأن أقضي الرجل بكره، فقلت لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء». وفي حديث ابن عباس المتفق عليه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: ... فإن هم أطاعوك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». وفي الصحيحين عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث عمر على الصدقة».
وسار خلفاؤه الراشدون سيرته، فكانوا يستعملون غيرهم على المال وشؤونه، روى ابن اسحق وخليفة قالا: «وقد وَلَّى -أي أبو بكر- أبا عبيدة ابن الجراح بيت المال، ثم وجهه إلى الشام». وفي ترجمة معيقيب قال الذهبي «واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال». وذكر ابن اسحق بإسناد حسنه الحاكم كما قال صاحب التراتيب الإدارية عن عبد الله بن الزبير قال: «وكتب لأبي بكر، وجعل إليه بيت المال، وأقره عليهما عمر بن الخطاب» يعني عبد الله بن الأرقم. وروى ابن سعد في الطبقات، وابن حجر في الإصابة، أن عمر كان خازنه يسار بن نمير مولاه. وروى أحمد في مسنده، وعبد الرزاق في المصنف، عن لاحق بن حميد قال: «وبعث ابن مسعود على القضاء وبيت المال» يعني إلى الكوفة. وروى خليفة عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم «أن عمر ولى عبد الله بن أرقم بيت المال». وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن عروة بن الزبير «أن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: كنت على بيت المال زمان عمر بن الخطاب». وروى ابن حجر في الفتح عند الكلام في مناقب عبد الله بن مسعود: «وولي بيت المال في الكوفة لعمر وعثمان». وذكر الجهشياري في الوزراء والكتاب: «وكان عبد الله بن أرقم ابن عبد يغوث أحد كتاب النبي يتقلد له بيت المال» يعني لعثمان. وقال الحاكم في المستدرك عن الزبير بن بكار: «كان عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث على بيت المال في زمن عمر وصدراً من ولاية عثمان إلى أن توفي وكانت له صحبة». وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: «كان زيد بن ثابت على بيت المال في خلافة عثمان، وكان لزيد عبد اسمه وهيب، فأبصره عثمان يعينهم في بيت المال، فقال: من هذا؟ فقال زيد: مملوك لي. فقال عثمان: أراه يعين المسلمين، وله الحق، وأنا أفرض له، ففرض له ألفين. فقال زيد: والله لا تفرض لعبد ألفين، ففرض له ألفاً». وذكر الصدفي في كتاب معرفة علماء مصر ومن دخلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وصار أبو رافع بعد ذلك إلى علي بن أبي طالب، فولاه بيت مال الكوفة». وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: «كان عبيد الله ابن أبي رافع خازناً وكاتباً لعـلي». وذكـر العيـني في عمدة القاري: «أن عبد الله بن وهب السوائي كان عليّ يكرمه ويحبه ويثق به وجعله على بيت المال بالكوفة». واستعمل علي على البصرة زياداً، قال الجهشياري: «فلما سار عن البصرة استعمله على الخراج والديوان».
الجهاز الإداري (مصالح الناس)
إدارة شؤون الدولة ومصالح الناس تتولاها مصالح ودوائر وإدارات، تقوم على النهوض بشؤون الدولة، وقضاء مصالح الناس. ويُعيَّن لكل مصلحة مدير عام، ولكل دائرة وكل إدارة مدير يتولى إدارتها، ويكون مسؤولاً عنها مباشرة، ويكون هؤلاء المديرون مسؤولين أمام مَن يتولّى الإدارة العُليا لمصالحهم أو دوائرهم أو إداراتهم، مِن حيث عملهم، ومسؤولين أمام الوالي والعامل من حيث التقيد بالأحكام والأنظمة العامة.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدير المصالح ويعين كتاباً لإدارتها، فكان عليه الصلاة والسلام يدير مصالح الناس في المدينة، يرعى شؤونهم، ويحل مشاكلهم، وينظم علاقاتهم، ويؤمن حاجاتهم، ويوجههم فيها لما يصلح أمرهم. وكل هذه من الشؤون الإدارية التي تيسر عيشهم دون مشاكل أو تعقيد:
ففي أمور التعليم، جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فداء الأسرى من الكفار تعليم عشرة من أبناء المسلمين، وبدل الفداء هو من الغنائم، وهي ملك للمسلمين؛ فكان تأمين التعليم مصلحة من مصالح المسلمين.
وفي التطبيب، أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، طبيب فجعله للمسلمين، فكون رسول الله صلى الله عليه وسلمجاءته هدية فلم يتصرف بها، ولم يأخذها، بل جعلها للمسلمين، دليل على أن التطبيب مصلحة من مصالح المسلمين.
عوداً بيده ثم قال: اذهبْ واحتطبْ وبعْ، فلا أرينك خمسة عشر يوماً، ففعل، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم...» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه البخاري: «لأن يأخذ أحدكم أحبلة، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره، فيبيعها، فيكف بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو وفي شؤون العمل، فقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلاً أن منعوه». يشتري حبلاً ثم فأساً، ويحتطب ويبيع للناس بدل أن يسألهم، هذا يعطيه وهذا يرده، فكان حل مشاكل العمل كذلك مصلحة للمسلمين. أخرج أحمد والترمذي وحسنه «أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى… قال: ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيده فقال: من يشتري هذين؟… قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، فأعطاهما للأنصاري وقال: اشترِ بأحدهما فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدوماً فائتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي شؤون الطرق، فقد نظم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الطرق في وقته بأن جعل الطريق سبعة أذرع عند التنازع. روى البخاري من طريق أبي هريرة «قضى النبي صلى الله عليه وسلم، إذا تشاجروا في الطريق الميتاء بسبعة أذرع»، ورواية مسلم «إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع» وهو تنظيم إداري في ذلك الوقت، وإذا كانت الحاجة لأكثر كان، كما في مذهب الشافعي.
وكذلك منع الرسول صلى الله عليه وسلم، العدوان على الطريق، أخرج الطبراني في الصغير «من أخذ من طريق المسلمين شبراً طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين».
وفي الزراعة، فقد اختلف الزبير رضي الله عنه ورجل من الأنصار في السقي من سيل ماء يمر من أرضهما، فقال صلى الله عليه وسلم، : «اسقِ يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» متفق عليه واللفظ لمسلم.
وهكذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يدير مصالح المسلمين ويحل مشاكلهم الإدارية بسهولة ويسر، وكان يستعين ببعض الصحابة في ذلك. فتكون مصالح الناس جهازاً يتولاه الخليفة أو يعين له مديراً كفؤاً يتولاه، وهذا ما نتبناه، تخفيفاً للعبء عن الخليفة، وبخاصة وقد تشعبت المصالح وتكاثرت، فيكون هناك جهاز لمصالح الناس يتولاه على وجهه مدير كفؤ بأساليب ووسائل تيسر على الرعية عيشها، ويوفر لها الخدمات اللازمة دونما تعقيد بل بسهولة ويسر.
وهذا الجهاز يتكوّن مِن مصالح، ودوائر، وإدارات. والمصلحة هي الإدارة العليا لأية مصلحة مِن مصالح الدولة، كالتابعية، والمواصلات، وسك النقود، والتعليم، والصحة، والزراعة، والعمل، والطرق، وغيرها. وهذه المصلحة تتوَلّى إدارة المصلحة ذاتها، وما يتبعها مِن دوائر وإدارات. والدائرة هي التي تتوَلّى شؤون الدائرة نفسها، وما يتبعها من إدارات. والإدارة هي التي تتوَلّى شؤون الإدارة ذاتها، وما يتبعها من فروع وأقسام.
وهذه المصالح والدوائر والإدارات إنما تُنشَأ وتُقام لأجل النهوض بشؤون الدولة، ولأجل قضاء مصالح الناس.
ولضمان سير هذه المصالح والدوائر والإدارات لا بُدَّ مِن تعيين مسؤولين لها. فيُعيَّن لكل مصلحة مدير عام يتوَلّى إدارة شؤون المصلحة مباشرة، ويشرف على جميع الدوائر والإدارات التابعة لها. ويُعيّن لكل دائرة، ولكل إدارة، مدير يكون مسؤولاً عنها مباشرة، وعمّا يتبعها مِن فروع وأقسام.

هناك تعليق واحد: