مبدأ الفصل بين السلطات



مبدأ آلفصل بين السلطات
يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات من المبادئ السياسية التي عرفت جدلا كبيرا بين القبول والاعتراض والتحليلات، وقامت بقلب مقاربة الحكم في الفكر السياسي الليبرالي. وقد تأثر مبدأ الفصل بين السلطات بشكل كبير على مستقبل الحرية وهيكل الحكم في المجتمع.
فكيف ظهر مبدأ الفصل بين السلطات؟ وما هو موقعه في النظم السياسية المعاصرة؟
المطلب الأول: إقرار مبدأ الفصل بين السلطات
لقد جاء إقرار مبدأ فصل السلط من أجل وضع قيود على الحكم المطلق وبناء قاعدة مهمة من قواعد الحرية السياسية وذلك بمنع تجمع وتكتل السلطات الثلاث في الدولة (السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية) في يد واحدة.
1ألبعد التاريخي لمبدأ الفصل بين السلطات
لقد ظهرت هذه النظرية أولا في أوروبا خلال القرون الوسطى، حيث كان ملوكها يتمتعون بالسلطة الواسعة والصلاحيات الغير محدودة والاستبداد بالحكم المطلق، الشيء الذي أدى إلى الديكتاتورية والاستبداد والشطط في الحكم،كما كان الشأن في إنجلترا عند "آل ستيوارت" استنادا إلى ادعائهم "الحق الإلهي في لملك" باعتبار أن الملك هو ظل الله في الأرض. كما وصل الاستبداد بالحكم إلى ذروته بفرنسا في عهد "لويس الرابع عشر".
وأمام هذا الاضطهاد والسيطرة المطلقة دعا الكثير من مفكري أوروبا خلال القرنين السابع والثامن عشر إلى الفصل بين السلطات. ويعتبر الفيلسوف البريطاني "جون لوك" أول من دعا إلى ذلك، يليه الفيلسوف الفرنسي "مونتسكيو" الذي اشتهر بكتابه "روح القوانين" الذي ضمنه كل آرائه حول مبدأ الفصل بين السلطات.
وهكذا يتضح جليا أن مبدأ الفصل بين السلطات استخدم كسلاح فعال ضد الحكم المطلق وطغيان السلطة، لذا أعلنت الثورات الديمقراطية أنه لا ضمان للحرية إلا بالأخذ بمبدأ فصل السلطات.
2ءما المقصود بمبدا الفصل بين السلطات
إن الفصل بين السلطات يتضمن معنيين أساسين هما: معنى سياسي وآخر قانوني.أما المعنى السياسي فيتضمن عدم تمركز سلطات الدولة الثلاث في قبضة شخص أو هيئة واحدة. أي أن الشخص الواحد لا يجوز أن يتولى أكثر من مهمة واحدة من مهام الدولة الثلاث: التشريع أو التنفيذ أو القضاء.
وأما المعنى القانوني، فيتعلق بطبيعة العلاقة بين السلطات المختلفة، وبهذا المعنى تنقسم النظم إلى نظام رئاسي ونظام برلماني،ونظام شبه رئاسي.
ومن هذا المنطلق ينسب إلى مبدأ الفصل بين السلطات عدة مزايا منها:
ء صيانة الحرية ومنع الاستبداد
ء إتقان الدولة لوظائفها وحسن سير العمل بها من خلال تقسيم الوظائف المختلفة للدولة على هيئات مستقلة مما يؤدي إلى إتقان هذه الهيئات وإجادتها لعملها.
ء احترام القوانين وحسن تطبيقها.
المطلب الثاني: إعمال مبدا الفصل بين السلطات في النظم السياسية المعاصرة
لقد أسفر العمل بمبدأ فصل السلطات عن بروز عدة أنماط للحكم. فقد أخذت بعض النظم السياسية بنظام التعاون بين الهيئات، وهو ما يظهر في النظام البرلماني،في حين آثرت بعض النظم السياسية عدم التعاون مع هيئاتها المختلفة وارتأت أن تستقل كل منها عن الأخرى في ممارستها واختصاصاتها الوظيفية كما هو الشأن في النظام الرئاسي.
1ءمبدا الفصل بين السلط في النظام البرلماني: يعمل النظام البرلماني الذي يتسم بالمرونة على تساوي كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، دون أدنى تبعية أو سيطرة إحداهما على الأخرى. وتعتبر "إنجلترا" مهد هذا النظام منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر.
2ءمبدا فصل السلطات في النظام الرئاسي: يرتكز هذا النظام أصلا على مبدأ فصل السلطات وذلك بتوزيع السلطة على هيئات متعددة،وذلك على أساس استقلال كل هيئة عن الأخرى لأقصى درجة ممكنة. ولقد طبق مبدأ فصل السلطات في الولايات المتحدة تحت اسم النظام الرئاسي أو نظام حكومة الرئيس،الشيء الذي يجعل من رئيس الولايات المتحدة أقوى رئيس دولة في النظم السياسية المعاصرة.
ويتميز هذا النظام بخاصيتين أساسيتين هما:
أءتساوي الجهازين التشريعي والتنفيذي في طريقة اختيارهما. فالسلطة التشريعية يتولاها الكونغريس، والمتكون من مجلسين منتخبين مباشرة من طرف الشعب هما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب، (حيث ينفرد الكونغرس بالتشريع،إذ ليس من حق السلطة التنفيذية اقتراح القوانين ولا مناقشتها،ولا حل مجلس الكونغرس ولا حتى دعوته إلى الانعقاد إلا في حالة الطوارئ القصوى.)
ورئيس الجهاز التنفيذي (رئيس الدولة) منتخب كذلك مباشرة من طرف الشعب ويتولى السلطة التنفيذية بالكامل،فوزراؤه مسئولون أمامه مباشرة دون أن يكون للجهاز التشريعي حق استجوابهم أو عزلهم. كما أن المجلس التشريعي لا يحد من مهام الرئيس لكنه لا يستمد الثقة منه، غير أن هذا الأخير يستطيع اتهامه إذا ارتكب جرائم خطيرة تمس بأمن الدولة حيث تتم محاكمته من طرف مجلس الشيوخ.
بأستقلال الجهازين عن بعضهما وتساويهما في أن لا احد منهما يملك أن يضع حدا لسلطة الآخر، وذلك بنص من الدستور.
أما القضاة فهم مستقلون، ومن حق المحاكم مراقبة دستورية القوانين عن تنفيذ ما يخالف الدستور. لذا أمكن القول أن هناك ثلاث مؤسسات دستورية أساسية في النظام الأمريكي وهي: الرئيس الممارس للسلطة التنفيذية، والكونغرس الممارس للسلطة التشريعية، ثم المحكمة العليا التي بدأ دورها يتصاعد بفعل مراقبتها لدستورية القوانين.
وبفعل الانتقادات التي وجهت إلى هذا النظام بفعل استحالة تحقيق الاستقلال الصارم بين السلطات أدخلت عليه الكثير من الاستثناأت، فنشأ ما يعرف في الفقه الأمريكي بمبدأ التوازن وتبادل المراقبة كمبدأ مكمل للفصل بين السلطات وذلك بغرض التعاون فيما بينها، وهذا ما يتضح جليا من الناحية العملية مع نشوء النظام الحزبي، حيث يتم الترشيح لعضوية المجلس ولمنصب الرئاسة على أسس حزبية.
عموما، نستنتج من هذا العرض أن مبدأ الفصل بين السلطات يعتبر قفزة مهمة في تاريخ الفكر السياسي الليبرالي وذلك باعتباره الحجر الأساس في بناء قاعدة مهمة من قواعد الحرية السياسية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق